
وقد قال عنه الإمام الشافعي:
أضحى ابن حنبل حجَّةً مبرورةً *** وبِحُبِّ أحمدَ يُعـرَفُ المـتنسِّكُ
وإذا رأيت لأحمـد متنقِّصـاً *** فاعلم بـأنَّ سُتـورَهُ ستُهَتَّـكُ
وددت التطرق لهذا النموذج الصالح المخلص والمتسلح بالإيمان بالله جل وعلا والإخلاص له والمتسلح بالعلم وقوة الحفظ، التي أثمرت بلا شك صفات حقيقة على شخصية الرجل وانعكست على ممارسته الحياتية؛ فكان العالم الذي يطبق كل ما يؤمن به على واقعه، وهذا هو الإيمان الحقيقي بكل ما يحمل من معتقدات، ثم انطلق إلى مجال الفقه والحديث في خدمة هذا الدين العظيم.
وفي هذا الزمان الذي انفتح العالم على بعضه، وأصبح العالم كقرية صغيرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة خرج علينا كل من هبَّ ودبَّ ليُقحم نفسه في الفتيا ويحلل ويفسر، ويقحم نفسه فيما ليس أهلاً له، وفيما ليس من اختصاصه؛ فأصبح الدين هو المجال المفتوح لكل الناس لإبداء الرأي والاعتراض والنقاش دون ركيزة علمية يستند عليها، ولا يعلم أولئك أن الفتاوى الدينية تستند على قواعد فقهية كقوانين الفيزياء والكيمياء والرياضيات، مستمدة طبعاً من الكتاب والسنة، ولا يقوم بالفتوى إلا من هو حافظ للكتاب والسنة وعالم بقواعد الفقه ملماً بالمذاهب الفقهية المختلفة، إذن فهي تحتاج إلى متخصص وليس إلى رجل عادي، ربما لا يحمل شهادة جامعية في أي تخصص كان، ثم يأتي ليقحم نفسه عنوة في الفتيا أو إبداء الرأي في أحاديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، طلباً للشهرة واستفزازاً لعامة المسلمين ومشايخهم من خلال هذا المساس السيئ بما هو مقدس طاهر بعيد المدى عنه.
وهذه الفتاوى التويترية إن كانت سهلة البث والنقاش والاستفزاز تظل مجرد تنفيس عن بعض النوايا السيئة، وهذا المساس كنا نتمنى ألا نراه، لاسيما أننا نعاني في زماننا هذا حرباً ضروساً على ديننا، وتشكيكاً عنيفاً في ثوابتنا، وهجوماً على قرآننا، وتكذيباً- من المرجفين- لكلام رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، ولا تقابل هذه الحرب الشعواء إلا بيقين لا يساوره شك، وتصديق لا يشم رائحة التكذيب، وإيمان راسخ رسوخ الجبال في صحة ديننا وصدق نبينا متبعين في ذلك قاعدة الصديق الأكبر: "إن كان قال فقد صدق".